رأينا في مقالنا السابق أن الاقتصاد يشكل العامل الأهم في "صنع" الخلل في التركيبة السكانية، وفي باب الاقتصاد سنتوقف عند مجموعة من العناصر التي تشكل أساسات الأزمة، وخصوصاً ما يتعلق بحجم العمالة الوافدة، وهو العنصر الذي يمكن أن يكون له الأثر الأكبر في خلق المشكلة. وكذلك لابد من التوقف عند بعض القوانين التي تحكم الاقتصاد، وما يجري من تجاوز لهذه القوانين، إضافة إلى ما يقدم من خطط تستهدف التغيير في البنية الاقتصادية- الاجتماعية، سواء على مستوى الدولة بكليتها، أو على صعيد ما تنفرد به كل إمارة من إمارات الدولة من خطط لمواجهة الخلل وتقديم الحلول الناجعة للأزمة. من حيث المبدأ لا نعرف بالضبط ما القوانين التي تبيح أن يصل حجم العمالة الوافدة إلى أكثر من 80 في المئة (وحسب مصادر أخرى تبلغ هذه النسبة 90 في المئة) من حجم العمالة في البلاد، فيما لا تتعدى نسبة العاملين من المواطنين 20 أو 10 في المئة؟ هذا في حين أن النسبة الطبيعية المتعارف عليها في العالم لحجم القوى العاملة الوافدة يدور حول 5 في المئة، أي أن النسبة عندنا تبلغ 16- 20 ضعفاً لما هي عليه في الوضع الطبيعي. هذا من جانب، ومن جانب آخر فنحن لا نفهم كيف ولماذا ينبغي لهذا البلد (الذي لا يكاد يبلغ عدد سكانه 5 ملايين) أن يستوعب في عام واحد ما يقارب 800 ألف وافد، حسب تصريحات لوزير العمل الدكتور علي عبدالله الكعبي، وبما يعني أن هذا التضخم في عدد السكان يتزايد بسرعة ضوئية! وبماذا يفيد البلد هذا العدد الضخم من الوافدين، إذا عرفنا أن عدد المواطنين، حسب أحدث الإحصائيات، هو رقم قريب من هذا الرقم؟ هنا يبرز السؤال حول دور الشركات المتخصصة في جلب العمالة، وذلك من حيث طبيعة هذه الشركات، وحجمها وعددها، والقوانين التي تحكم نشاطها، ومدى التزامها بهذه القوانين من ناحية، والرقابة عليها ومحاسبة المخالف منها من ناحية ثانية. فهذه أمور ضرورية لمعرفة الدور السلبي الذي تلعبه هذه الشركات في "استيراد" ما نحتاج إليه وما لا نحتاج إليه من العمالة، والممارسات الخاطئة التي تقوم بها وتسهم في انتشار ظواهر سلبية في سوق العمل، من قبيل وجود أعداد هائلة من العاطلين عن العمل بين العمال الوافدين، أو جلب العمالة التي يوجد بديل لها بين المواطنين، إذ أن صاحب الشركة، ومعه صاحب العمل، يقدِّمان العمالة الوافدة لرخص أجرتها، ولأن المواطن لا يستطيع أن يعمل إلا بشروط ملائمة لظروفه المعيشية التي تختلف بالضرورة عن ظروف العامل الوافد، وهو ما يوجب دراسة الأخطار المستقبلية لهذه السيول البشرية من العمالة الوافدة، لأنهم يشكِّلون قنبلة موقوتة. هذه الأخطار ينبغي أن تكون محل اهتمام الجهات المعنية في الدولة، من حيث ضرورة دراستها أولاً، ووضع الخطط الملائمة لمواجهتها ثانياً. والقول بدراسة هذه المخاطر يفترض مشاركة مؤسسات الدولة الاتحادية في القطاعين العام والخاص، كما في كل إمارة على حدة، فهناك خصوصية لبعض الإمارات، في الجانب المتعلق بحجم العمالة المطلوبة ونوعيتها، حيث إن ما تحتاجه إمارة قد لا تحتاجه إمارة أخرى، وحيث إن هناك عمالة مواطنة في إمارة لا يوجد مثيل لها في إمارات أخرى، وهو ما يعني ضرورة التخطيط لقيام التكامل بين كافة الإمارات، وهذا يتطلب أن تكون لكل إمارة خططها المحلية، إضافة إلى المخطط الشامل لكل الإمارات، بحيث تتولى المؤسسات الاتحادية التنسيق بين حاجة كل إمارة بما يخدمها من جانب، وبما يخدم الدولة عموماً من جانب آخر. وما ينطبق على التنسيق بين الإمارات نفسها، ينطبق على التعاون والتكامل بين دول الخليج أيضاً، وهنا يأتي دور مجلس التعاون في وضع الخطط وتنسيق الجهود الموجهة إلى التخفيف من مخاطر العمالة الوافدة، من خلال تفعيل اتفاقيات التعاون، وتسهيل انتقال العمالة الخليجية وانتهاج سياسة إحلال وظيفي متَّزنة وهادئة، لإعادة التوازن المطلوب في سوق العمل، فضلاً عن ربط دول المجلس بقاعدة من المعلومات والبيانات التي يمكن عن طريقها وضع الخطط السليمة في هذا المجال، بما يضمن تفعيل التكامل بين دول الخليج لسد حاجة سوق العمل الخليجي. رئيسة رواق عوشة بنت حسين الثقافي- دبي